فصل: من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فتول عنهم فما أنت بملوم} قال: فأعرض عنهم، فقيل له: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} فوعظهم.
وأخرج ابن المنذر عن سلمان بن حبيب المحاربي قال: من وجد للذكرى في قلبه موقعًا فليعلم أنه مؤمن قال الله: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون} قال: ليقروا بالعبودية طوعًا أو كرهًا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون} قال: على ما خلقتهم عليه من طاعتي ومعصيتي وشقوتي وسعادتي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله: {وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون} قال: ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الجوزاء في الآية قال: أنا أرزقهم وأنا أطعمهم، ما خلقتهم إلا ليعبدون.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإلاّ تفعل ملأت صدرك شغلًا ولم أسد فقرك».
وأخرج الطبراني في مسند الشاميين والحاكم في التاريخ والبيهقي في شعب الإِيمان والديلمي في مسند الفردوس عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله إني والجن والإِنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري».
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن الأنباري في المصاحف وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم {إني أنا الرزاق ذو القوّة المتين}.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {المتين} يقول: الشديد.
قوله تعالى: {فإن للذين ظلموا ذنوبًا} الآية.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {ذنوبًا} قال: دلوًا.
وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ذنوبًا مثل ذنوب أصحابهم} قال: سجلا من العذاب مثل عذاب أصحابهم.
وأخرج الخرائطي في مساوىء الأخلاق عن طلحة بن عمرو في قوله: {ذنوبًا مثل ذنوب أصحابهم} قال: عذابًا مثل عذاب أصحابهم، والله تعالى أعلم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة الذاريات:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم).
بسم الله كلمة عزيزة من ذكرها عز لسانه، ومن عرفها اهتز بصحبتها جنانه، بسم الله كلمة الألباب غلابة، كلمة لأرواح المحبين سلابة.
والذارياتُ: أي الرياح الحاملات {وِقرًا} أي السحاب {فَالْجَارِياتِ} أي السفن.
{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} أي الملائكة، بربِّ هذه الأشياء وبقدرته عليها. وجواب القسم: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} والإشارة في هذه الأشياء أن من جملة الرياح. الرياح الصيحية تحمل أنينَ المشتاقين إلى ساحات العزَّةِ فيأتي نسيمُ القربةِ إلى مَشَامِّ أسرارِ أهل المحبة فعندئذٍ يجدون راحةً من غَلَبَات اللوعة، وفي معناه أنشدوا:
وإني لأستهدي الرياحَ نسيمكم ** إذا أقبلَتْ من أرضكم بهبوب

وأسألُها حمْلَ السلام إليكمو ** فإنْ هي يومًا بَلَّغتْ فأجيبي

ومن السحاب ما يُمطر بعتاب الغيبة، ويُؤْذن بهواجم النَّوى والفُرْقة. فإذا عَنَّ لهم من ذلك شيء أبصروا ذلك بنور بصائرهم، فيأخذون في الابتهال، والتضرُّع في السؤال استعاذةً منها كما قالوا:
أقول وقد رأيتُ لها سحابًا ** من الهجران مقبلة إلينا

وقد سحَّت عزاليها بِبَيْنٍ ** حوالينا الصدودُ ولا علينا

وكما قد يَحْملُ الملاَّحُ بعضَ الفقراء بلا أجرة طمعًا في سلامة السفينة- فهؤلاء يرْجُون أن يُحمَلُوا في فُلْكِ العناية في بحار القدرة عند تلاطم الأمواج حول السفينة. ومِنَ الملائكةِ مَنْ يتنزَّلُ لتفقد أهل الوصلة، أو لتعزية أهل المصيبة، أو لأنواعٍ من الأمور تتصل بأهل هذه القصة، فهؤلاء القوم يسألونهم عن أحوالهم: هل عندهم خيرٌ عن فراقهم ووصالهم- كما قالوا:
بربِّكما يا صاحبيَّ قِفَا بيا ** أسائلكم عن حالهم وآسألانيا

{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ}: الحقُّ- سبحانه- وَعَدَ المطيعين بالجنة، والتائبين بالرحمة، والأولياءَ بالقربة، والعارفين بالوصلة، ووَعَدَ أرباب المصائب بقوله: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157: 156]، وهم يتصدون لاستبطاء حُسْنِ الميعاد- واللَّهُ رؤوقٌ بالعباد.
قوله جلّ ذكره: {والسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِى قول مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ}.
{ذَاتِ الْحُبُكِ} أي ذات الطرائق الحسنة- وهذا قَسَمٌ ثانٍ، وجوابه: {إِنَّكُمْ لَفِى قول مُّخْتَلِفٍ} يعني في أمر محمدٍ صلى الله عليه وسلم فأحدهم يقول: إنه ساحر، وآخر يقول: مجنون، وثالث يقول: شاعر.... وغير ذلك.
والإشارة فيه إلى القسم بسماء التوحيد ذات الزينة بشمس العرفان، وقمر المحبة، ونجوم القُرب... إنكم في باب هذه الطريقة لفي قول مختلف؛ فَمِنْ مُنْكِرٍ يجحد الطريقة ومِنْ مُعترِضٍ يعترض علىأهلها يتوهَّم نقصانهم في القيام بحق الشريعة، ومن متعسِّفٍ لايخرج من ضيق حدود العبودية ولا يعرف خبرًا عن تخصيص الحقِّ أولياءَه بالأحوال السنية، قال قائلهم:
فد سَحبَ الناسُ أذيال الظنون بنا ** وفَرَّقَ الناسُ فينا قولهم فِرقَا

فكاذبٌ قد رمى بالظنِّ غَيْرتكم ** وصادقٌ ليس يدري أنه صَدَقَا

قوله جل ذكره: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مِنْ أُفِكَ}.
أي يُصْرَفُ عنه مَنْ صُرِف، وذلك أنهم كانوا يصدُّون الناسَ عنه ويقولون: إنه لمجنون.
{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ في غَمْرَةٍ سَاهُونَ}.
لُعِنَ الكذَّابون الذين هم في غمرة الضلالة وظلمة الجهالة ساهون لاهون.
قوله جلّ ذكره: {يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينَ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَذَا الذي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}.
يسألون أيان يومُ القيامة؟؛ يستعجلون بها، فلأَجْلِ تكذيبهم بها كانت نفوسُهم لا تسكن إليها. ويوم هم على النار يُحْرَقون ويُعَذَّبون يقال لهم: قاسوا عقوبتكم، هذا الذي كنتم به تَسْتَعْجِلُونَ.
والإشارة فيه إلى الذين يَكْذِبون في أعمالهم لِمَا يتداخلهم من الرياء، ويكذبون في أحوالهم لِمَا يتداخلهم من الإعجاب، ويكذبون على الله فيما يدَّعونه من الأحوال قُتِلُو ولُعِنوا وسيلقون غِبَّ تلبيسهم بما يُحْرَمون من اشتمام رائحة الصدق.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ المُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنينَ}.
في عاجلهم في جنَّتِ وَصْلِهم، وفي آجلهم في جنّاتِ فَضْلِهم؛ فغدًا درجات ونجاة، واليومَ قرُبات ومناجاة، فما هو مؤجَّلٌ حظُّ أنفسِهم، وما هو معجّلٌ حقُّ ربِّهم. هم آخذين اليوم ما آتاهم ربهم؛ يأخذون نصيبه منه بِيَدِ الشكر والحمد، وغدًا يأخذون ما يعطيهم ربُّهم في الجنة من فنون العطاء والرِّفد.
ومَنْ كان اليومَ آخذه بلا وساطة من حيث الإيمان والإتقان، وملاحظة القسمة في العطاء والحرمان. كان غدًا آخذه بلا وسطة في الجنان عند اللقاء والعيان.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَالِكَ مُحْسِنِينَ}؛ كانوا ولكنهم اليوم بانوا ولكنهم بعد ما أعدناهم حصلوا واستبانوا فهم كما في الخبر: «أعبد الله كأنك تراه».
قوله جلّ ذكره: {كَانُواْ قَلِيلًا مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
المعنى إمَّا: كانوا قليلًا وكانوا لا ينامون إلا بالليل كقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] أو: كان نومُهم بالليل قليلًا، أو: كانوا لا ينامون بالليل قليلًا.
{وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرونُ}: أخبر عنهم أنهم- مع تهجدهم ودُعائهم- يُنْزِلون انفسَهِم في الأخار منزلةَ العاصين، فيستغفرون استصغارًا لِقدْرِهم، واستحقارًا لِفِعْلهم.
والليلُ للأحباب في أُنْس المناجاة، وللعصاة في طلب النجاة. والسهرُ لهم في ليلايهم دائمًا؛ إمّا لفَرْظِ أَسَفٍ أولِشدَّةِ لَهَفٍ، وإمَّا لاشتياقٍ أو لفراقٍ- كما قالوا:
كم ليلةٍ فيك لا صباحَ لها ** افنْيَتُهَا قابضًا على كبدي

قد غُصَّت العينُ بالدموعِ وقد ** وَضَعْتُ خدي على بنان يدي

وإمّ لكمال أُنْسٍ وطيب روح- كما قالوا:
سقى اللَّهُ عيشًا قصيرًا مضى ** زمانَ الهوى في الصبا والمجون

لياليه تحكي انسدادَ لحاظٍ ** لَعْينِيَ عند ارتداد الجفون

قوله جلّ ذكره: {وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌ لِّلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ} السائلُ هوالمُتكفِّف، والمحرومُ هو المتعفِّف- ويقال هو الذي يحرم نفسه بترك السؤال.. هؤلاء هم الذين يُعْطُون بشرط العلم، فأمَّا أصحابُ المروءة: فغير المستحق لمالهم أَوْلَى من المستحق. وأما أهل الفترة فليس لهم مالٌ حتى تتوجه عليهم مطالبة؛ لأنهم أهل الإيثار- في الوقت- لكلِّ مايُفْتَحُ عليهم به.
قوله جلّ ذكره: {وَفِى الأَرْضِ ءَايَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}.
كما أَنَّ الأرضَ تحمل كلَّ شيء فكذلك العارف يتحمَّل كلَّ أحد.
ومَنْ استثقل أحدًا أو تبرَّمَ برؤية أحدٍ فلِغَيْبته عن الحقيقة، ولمطالعته الخَلْقَ بعين التفرقة- وأهلُ الحقائق لا يتصفون بهذه الصفة.
ومن الآيات التي في الأرض أنها يُلْقَى عليها كلُّ قذارةٍ وقمامة- ومع ذلك تُنْبِتُ كلَّ زَهْرٍ ونَوْرٍ كذلك العارفين يتشرب كلَّ ما يُسْقَى من الجفاء، ولا يترشح إلاَّ بكل خُلُقٍ عَلِيّ وشيمةٍ زكيَّة.
ومن الآيات التي في الأرضِ أنّ ما كان منها سبخًا يُتْرَكُ ولا يُعَمَّر لأنه لا يحتمل العمارة- كذلك الذي لا إيمانَ له بهذه الطريقة يُهْمَل، فمقابلته بهذه الصفة كإلقاء البذر في الأرض السبخة.
{وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}: أي وفي أنفسكم أيضًا آيات، فمنها وقاحتها في همتها، ووقاحتها في صفاتها، ومنها دعواها العريضة فيما ترى منها وبها، ومنها أحوالها المريضة حين تزعم أَنَّ ذَرّةً أو (...) بها أومنها.
{وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}: أي قسمة أرزاقكم في السماء، فالملائكة الموَكَّلون بالأرزاق ينزلون من السماء.
ويقال: السماء ها هنا المطر، فبالمطر ينبت الحَبُّ والمرعى.
ويقال: على رب السماء أرزاقكم لأنه ضَمنَها.
ويقال: قوله: {وَفِى السَّمَاءَِ رِزْقُكُمْ} وها هنا وقف ثم تبتدىء: {وَمَا تُوعَدُونَ}.
قوله جلّ ذكره: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} أي: إنَّ البعثَ والنشرَ لَحَقٌّ.
ويقال: إنَّ نصري لمحمدٍ ولديني، وللذي أتاكم به من الأحكام- لحقٌّ مثل ما أنَّكم تنطقون.
كما يقال: هذا حقٌّ مثل ما أنك ها هنا.
ويقال: معناه: إنَّ اللَّهَ رازقُكم- هذا القول حقٌّ مثلما أنكم إذا سُئِلْتُم: مَنْ رَبُّكم؟ ومَنْ خالقكم؟ قلتم: الله فكما أنكم تقولون: إن الله خالق- وهذا حقٌّ كذلك القول أَنَّ اللَّهَ رازقٌ- هو أيضًا حقٌّ.
ويقال: كما أنَّ نُطْقَكَ لا يتكلم به غيرُك فرزقُكَ لا يأَكلُه غيرك.
ويقال: الفائدة والإشارة في هذه الآية أنه حال بزرفك على السماء، ولا سبيلَ لك إلى العروج إلى السماء لتشتغلَ بما كلفك ولا تعنَّى في طلب ما لا تصل إليه.
ويقال: في السماء رزقكم، وإلى السماء يُرْفَعُ عَمَلُكُم فإنْ أرَدْتَ أنْ ينزلَ عليكَ رزقُك فأَصْعِدْ إلى السماءِ عمَلَكَ- ولهذا قال: الصلاةُ قَرْعُ باب الرزق، وقال تعالى: {وَأَْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقًا} [طه: 132].
قوله جلّ ذكره: {هَلْ أَتَاكَ حديث ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}.
قيل في التفاسير: لم يكن قد أتاه خبرُهم قبل نزول هذه الآية.
وقيل: كان عددُهم اثني عشر مَلَكًا. وقيل: جبريل وكان معه سبعة. وقيل: كانوا ثلاثة.
وقوله: {الْمُكْرَمِينَ} قيل لقيامه- عليه السلام- بخدمتهم. وقيل: اكرم الضيفَ بطلاقة وجهه، والاستبشار بوفودهم.
وقيل: لم يتكلَّف إِبراهيمُ لهم، وما اعتذر إليهم- وهذا هو إكرام الضيف- حتى لا تكون من المضيف عليه مِنَّةٌ فيحتاج الضيف إلى تحملها.
ويقال: سمّاهم مكرمين لأن غير المدعوِّ عند الكرام كريم.
ويقال: ضيفُ الكرام لا يكون إلا كريمًا.
ويقال: المكرمين عند الله.
قوله جلّ ذكره: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالوا سَلاَمًا قال سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ}.
أي سلَّمنا عليك {سَلاَمًا} فقال إبراهيم: لكم مني {سَلاَمًَا}.
وقولهم: {سَلامًا} أي لك منّا سلام، لأنَّ السلام: الأمانُ.
{قَوْمٌ مُّنكَرُونَ}: أي أنتم قوم منكرون؛ لأنه لم يكن يعرف مِثْلَهم في الأضياف ويقال: غُرَبَاء.
قوله جلّ ذكره: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قال أَلاَ تَأَْكُلُونَ}.
أي عَدَلَ إليهم من حيث لا يعلمون وكذلك يكون الروغان.
{فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} فشواه، وقرَّبه منهم وقال: {أَلاَ تأْكُلُونَ} وحين امتنعوا عن الأكل:
{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ}.
تَوَهَّمَ أنهم لصوص فقالوا له: {لاَ تَخَفْ}.
{وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ}: أي بَشَّروه بالوَلد، وببقاء هذا الوَلَدِ إلى أن يصير عليمًا؛ والعليم مبالغة من العلم، وإنما يصير عليمًا بعد كبره.
{فََأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ في صَرّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}.
{فِى صَرَّةٍ} أي في صيحة شديدة، {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أي فضربت وجهها بيدها كفعل النساء {وَقالتْ عُجُوزٌ عَقِيمٌ}: أي أنا عجوز عقيم. وقيل: إنها يومَها كانت ابنةَ ثمانٍ وتسعين سنة، وكان إبراهيمُ ابنَ تسع وتسعين سنة.